ويبقى الأثر

ليس كل ما يُقال يُنسى، ولا كل ما يُفعل يمر، فبعض الكلمات تبقى في القلب كالنقش، وبعض الأفعال تظل في الذاكرة كشريط لا يتقادم، نحن لا نعيش فقط بما نأكل ونلبس، بل نعيش بما نترك، نُحيا بما نُهدي، ويمتد وجودنا في الآخرين بما نزرع فيهم من أثر.

في العلاقة بين الزوجين، لا تُقاس القيمة بطول العِشرة فقط، بل بما تخلّفه تلك العِشرة من ودّ صادق، ولمسة طيبة، وكلمة تطبطب على الخاطر، لا تجرحه، علاقة لا تُبنى على الكلمة القاسية وقت الغضب، بل على الصبر والاحتواء وقت الشدة.
الزوجان الحقيقيان هما من يعرفان كيف يتركان في بعضهما أثرًا يطيب العيش به، حتى وإن فرّق بينهما العمر أو القدر.

وفي الجيرة، لم تكن العلاقة يومًا مجرد بابين متقابلين، بل قلبين متجاورين، الجار الذي يطرق بابك ليسأل عنك دون مصلحة، الذي يترك طبقًا على الباب ويختفي، الذي يراعي حزنك دون أن تُخبره، هو جار يترك أثرًا لا يمحوه الزمان.

أما الصداقة، فهي ذاكرة تمشي على قدمين، صديق يعرف متى يصمت، ومتى يتكلم، ومتى يربت على ظهرك دون أن تُطلب منه المواساة، الأثر هنا لا يكون بالكلمات العريضة، بل بالمواقف الصغيرة التي تبني في القلب بيوتًا.

في الزمالة، في الأخوة، في كل علاقة إنسانية، نحن نمر ببعضنا البعض كالنسائم أو كالعواصف، لكن الفرق دائمًا في الأثر.
دع الكلمة الطيبة تترك أثرا لك، وكن ممن يتركون في الناس شيئًا يشبه الوردة، لا تُنسى رائحتها حتى وإن ذبلت.

فليس أجمل من أن يُقال عنك بعد غيابك: كان وجوده خفيفًا، لكن أثره عميق.

اتركوا خلفكم ما يذكّر الناس أنكم كنتم هنا.. بل كنتم خير من مرّ من هنا.